2024/03/02

الخطاطة الاستهوائية للحزن

 

 

وزارة التربية

المديرية العامة للتربية في محافظة نينوى

قسم الاعداد والتدريب

شعبة البحوث والدراسات التربوية

 

 

 

الخطاطة الاستهوائية للحزن

في الخطاب الروائي {أحزان نوح} لأحمد جاد الكريم

 

The exciting calligraphy of sorrow in the narrative discourse (Noah's Sorrows) by Ahmed Gad Al-Karim

 

بحث تقدمت به

م. د. وجدان توفيق حسين عثمان الخشاب

 

 


1442- 1443هـ                                          2021- 2022م

دكتوراه اختصاص

 

 

ملخص البحث:

 حاول البحث الموسوم { الخطاطة الاستهوائية للحزن في الخطاب الروائي (أحزان نوح ) لأحمد جاد الكريم } للدكتورة وجدان توفيق حسين عثمان الخشاب استجلاء هوى الحزن متخذاً من الخطاب الروائي (أحزان نوح) أُنموذجاً تطبيقياً، ولأجل هذا الاستجلاء نهض على خطةٍ تناولت في المقدمة مشكلة البحث وأهميته، وأهدافه وحدوده، ثم تناولت أهم مصطلحاته، والمنهج الذي اعتمده، وكذلك أهم مراجعه، والصعوبات التي واجهت الباحثة في إنجازه. أمّـا التمهيد فتناول سيميائية الأهواء – مقاربة تاريخية، وقـدَّم مُلـخَّصاً للخطاب مدار البحث، ونبذة سيرية للروائي احمد جاد الكريم، وفي المبحث الأول عرضَ الخطاطة الاستهوائية (مهاد نظري)، وتخصص المبحث الثاني بدراسة الخطاطة الاستهوائية للحزن في الخطاب الروائي مدار البحث، وخُتم البحث بخاتمة عرض فيها أهم النتائج التي توصّل إليها، وألحقها بقائمة الهوامش، ثم قائمة المصادر والمراجع التي اعتمد عليها في اشتغاله.

الكلمات المفتاحية: سيميائية، الأهواء، الحزن، الانفعال.

Abstract

The research titled with (The exciting calligraphy of sorrow in the narrative discourse (Noah's Sorrows) by Ahmed Gad Al-Karim) by Dr. Wijdan Tawfiq Hussein Othman Al-Khashab attempted to clarify the passion of sorrow, taking from the narrative discourse (Noah’s Sorrows) as an applied model, and for this elucidation, we relied on a plan that dealt in the introduction with the problem of the research, its importance, its objectives and limits, then dealt with its most important terms, and the approach it adopted, also, its most important references, and the difficulties that the researcher faced in achieving it. As for the preface, it dealt with the semiotics of passions - a historical approach, and presented a summary of the discourse in question, and a biographical summary of the novelist Ahmed Gad Al-Karim. In the first chapter, the exciting calligraphy was presented (theoretical preface), and the second chapter was devoted to studying the exciting calligraphy of sorrow in the narrative discourse in the research, and the research concluded with a conclusion in which the most important results, and appended them to the list of footnotes, then the list of sources and references that we relied on in our work.

Keywords: Semiotics, Passions, Sorrow, Emotion.

المقدمة:

مشكلة البحث:

 انطلق البحث في مساره لدراسة الخطاب الروائي (أحزان نوح) (1) لأحمد جاد الكريم واضعاً أمامه الأسئلة التالية التي مثّـلت مشكلته، ومحاولاً ايجاد أجوبة لها:

1/ كيف تجلّـى هوى الحزن في شخصية الذات الاستهوائية (نوح)؟

2/ ما مدى فاعلية هوى الحزن الذي عانت منه الذات الاستهوائية (نوح) لقيادة صراع الحياة والموت؟

3/ هل لعب الأثر الانفعالي دوراً فاعلاً في تحديد ردود أفعال الذات الاستهوائية (نوح)؟

4/ هل استطاع الروائي احمد جاد الكريم منح شخصية نوح كفايتها الذاتية من استهواء الحزن في هذا الخطاب الروائي بحيث ظهرت آثاره في الدلالة؟

5/ ما نوعية الأحكام الأخلاقية التي أصدرتها الذات الاستهوائية (نوح) على ذاتها وعلى الشخصيات الأُخرى داخل الخطاب الروائي مدار البحث؟ وما حكم المجتمع عليه؟

أهمية البحث:

 تكمن أهمية هذا البحث في:

1/ إثراء معلوماتنا حول موضوع تحليل الاهواء راصداً حركية خروجها من الاعماق الى السطح في محاولة للوقوف على مدى فاعلية سيمياء الاهواء في الكشف عن الحالات النفسية والانفعالات الجسدية لدى الذات المنفعلة بالحزن.

2/ يمثّـل مساهمة متواضعة تنضاف الى رصيد بحوث سبقته في دراسة هذا الموضوع.

3/ لم يتناول البحث الأكاديمي موضوع الخطاطة الاستهوائية للحزن في الخطاب الروائي (أحزان نوح) حسب بحثي عنها في فترة إعدادي لهذا البحث.

أهداف البحث:

إنَّ الأهواء التي تنتاب النفس الإنسانية متنوعة ومتشابكة مع بعضها البعض، وقد يكون من الصعب أحياناً عزل أحدها عن الآخر ضمن الخطاب الإبداعي، ولكننا عمدنا الى محاولة عزل هوى الحزن إجرائياً خدمةً لأهداف البحث، وقد أثار الخطاب الروائي مدار بحثنا هذا انتباهنا الى طغيان شعور الحزن على شخصيته الرئيسة (نوح)، فوجدنا فيه عيّـنـة ثريّـة لدراسة هوى الحزن من خلال الخطاطة الاستهوائية المعيارية التي طرحها كل من غريماس وفونتنيي، ولتحقيق جملة من الأهداف، أهمها:

1/ رغبتنا في التعرَّف على الخطاطة الاستهوائية المعيارية ومراحلها الخمس التي تهتم بالآثار المعنوية التي تتحقق في الخطاب الروائي.

2/ بيان امكانية تطبيق الخطاطة الاستهوائية المعيارية على رواية (أحزان نوح) للروائي احمد جاد الكريم.

3/ محاولة استنطاق الخطاب الروائي (أحزان نوح) للكشف عن التطورات التي مرَّ بها هوى الحزن الذي اجتاح الذات الاستهوائية نوح على مدى المسار الروائي.

حدود البحث:

 1/ الحد الموضوعي: تحدد البحث بدراسة الخطاب الروائي (أحزان نوح) للروائي أحمد جاد الكريم.

2/ الحد الزمني: عام 2021م.

3/ الحد المكاني: قرية في جمهورية مصر العربية.

مصطلحات البحث:

1/ الهوى: " دافع يحرك صاحبه، وعاطفة لأنه انفعال طويل الأمد، وهيجان لأن تأثيره عنيف وشديد وهو اكثر من ذلك ظاهرة نفسية كلية تبدل من عالم الشخصية بأكملها كهوى البخل والحب". (2) أي أنَّ الهوى يعمل على إحداث تغييرات في سلوكية الذات المنفعلة، فيحركها بوصفه دافعاً عاطفياً وانفعالياً.

2/ الاستهواء: هو "المادة التي تتشكل منها الأهواء فبدون هذا الاستهواء لا يمكن الحديث عن أهواء". (3)

3/ الخطاطة الاستهوائية: "عبارة عن نموذج مستقل يتسم بقيمة استكشافية خاصة". (4) وبذلك تتسم الخطاطة بالمعيارية التي تطبّق مراحلها على الخطابات الأدبية.

4/ الحزن: هو "عبارة عمّـا يحصل لوقوع مكروه أو فوات محبوب في الماضي". (5)

منهج البحث:

 اعتمد البحث على المنهج التحليلي لسيميائية الاهواء التي تنهض بدورها على دراسة علاقة الاستهواء بكل من الذات الاستهوائية والموضوع، ودور هذه العلاقة بإنتاج الخطاب الروائي مدار البحث، والكشف عن تأثيرها في صياغة الدلالة، واستجلاء المراحل التي تمر بها هذه العلاقة من خلال الخطاطة الاستهوائية المعيارية في الخطاب الروائي.

أهم المراجع التي اعتمدها البحث:

كان لا بُـدَّ للبحث من الاعتماد على جملةٍ من المراجع التي أسهمت في تذليل الصعوبات وإثراء مسيرته، منها:

1/ سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء الى حالات النفس: الجيرداس.ج. غريماس، جاك فونتنيي.

2/ مدخل الى السيميائية السردية: سعيد بنكراد.

3/ سيميائية الاهواء في لبوسها العربي: محمد الداهي.

4/ هندسة الأهواء في رواية الضوء الهارب لمحمد برادة: محمد الداهي.

الصعـوبات التي واجهت البحث:

 تواجه البحوث الأكاديمية بعض الصعـوبات في إنجازها، ومنها بحثنا هذا، ولعـلَّ أهمها هو طبيعة الموضوع الذي عالجه من حيث تشعّـبه واتساعه من جهة، ومن حيث مفاهيمه التي لم تكن مستقرة عند الباحثين العرب في ترجمتهم لها من جهة ثانية، وقلّـة النماذج التحليلية الكافية التي من شأنها أن تنير بحثنا هذا من جهة ثالثة، ولكن حسبنا أننا حاولنا قدر الامكان توجيه البحث وجهة صحيحة.

التمهيد:

1/ سيميائية الأهواء (مقاربة تاريخية)

إنَّ الأهواء ميول تميل إليها الذات الإنسانية، وتلعب أدواراً كبيرة في حياتها لأنها تشتغل باتجاه تكوين قيمها وانفعالاتها، وترسم توجهاتها، كما تعمل على بناء تصوراتها عن واقعها العياني المُعاش في بيئتها الثقافية، ولهذا كانت من الموضوعات التي تناولتها الدراسات في أكثر من حقل معرفي، فحقل الفلسفة كان له المجال الواسع لدراستها من عدة جوانب، حيث تناولها الفلاسفة القدماء مثل أرسطو وافلاطون وتبعهما هيغل وديكارت واسبينوزا على سبيل المثال لا الحصر، كما تناولها علماء النفس وعلماء الاجتماع أيضاً، وأفاد الباحثون في مجال الدراسات النقدية الأدبية من طروحات هذه الحقول في تطبيقاتهم على النصوص الأدبية.

إنَّ التطور الذي لازمَ المناهج النقدية الأدبية أدّى الى ظهور علم السيميائيات الذي يُـعـدُّ "حقلاً شاسعاً وثرياً، قادراً على استيعاب كل معطيات المعرفة الإنسانية وعلومها السابقة، كالفلسفة وعلم الاجتماع واللسانيات وعلم النفس". (6)

وتشير متابعة الدراسات السيميائية الى تنوّع جهودها في مجالات متعددة، فسيميائية العمل كانت مدار اهتمام طروحات جوزيف كورتيس، وسيميائية التلفّـظ كانت مدار اشتغال إميل بنيفيست، أمّـا سيميائية العلامات فأبرز من درسها كان شارل بيرس، واهتمت مدرسة تارتو بسيميائية الثقافة، ثم " بدأت العناية بتحليل الأهواء والعواطف لينشأ ما يُسمَّى بـ (سيميائيات الأهواء) وهي امتداد للسيميائيات العامة، حيث اعتمدت على العرف المعرفي والمبادىء العامة لها". (7) وكانت سيميائية الأهواء واحدة من معطيات مدرسة باريس السيميائية التي كان لها الدور البارز في ظهورها وعدَّتها "بحث في الجانب الشعوري للذات الإنسانية وتأثيره على الفعل والسلوك وتحديده لردود الفعل العقلية والنفسية، كدراسة مشاعر الحب والكراهية، السعادة والحزن، الأمن والخوف، الطموح واليأس، وتجسيدها في الخطابات الإبداعية". (8). أي أنَّه يدرس الحالات النفسية والعلاقات المتنوعة للذات المنفعلة بالموضوعات والأشياء فيسهم في ادراكها للعالم المحيط بها من خلال عملية التواصل، من هنا بدأ اهتمامهم بدراسة الأهواء التي ترتبط بالانفعالات والمشاعر النفسية الإنسانية، وتشتغل على توجيهها باتجاه موضوع ما، وعلى ما يحصل من تفاعلات بين نزوعها الى هوى معين وبين حصولها عليه أو انفصالها عنه، وكذلك دورها في عملية تكوين وانتاج المعنى في الخطاب الأدبي، فسعت هذه المدرسة الى " تطوير النظرة السيميائية وإغنائها، والاهتمام بمجالات أُخرى تهتمُّ أساساً بطوية الإنسان وعقله الباطني، وتعليل جدوى الانفتاح على مقاربات جديدة تُـعنى بتداول الخطاب ومؤشراته التلفظية". (9) وبهذا ربطت مدرسة باريس بين التحليل السيميائي والتحليل النفسي، وتخصيصاً الناقد الفرنسي ألجيرداس جوليان غريماس الذي اتجه الى دراسة الأهواء في كتابه (في المعنى 2) الصادر في عام 1983م، والذي درس فيه شعور الغضب من الناحية المعجمية، وما يثيره هذا الشعور من أهواء تتأثر به من خلال تقنين سردي يعتمد على 3 مراحل هي: الحرمان والسخط والعدوانية.

واستمرت جهود غريماس في تعميق البحث في سيمائية الأهواء ففي مقالته (جهات الذات أو الكون) عرض تكييفات الذات المستهواة من خلال استحضار منطق الجهات: القدرة والإرادة والمعرفة والوجوب. (10)

وفي عام 1991م صدر كتاب (سيميوطيقا الأهواء) لغريماس وجاك فونتنيي الذي عرضا فيه المفاهيم التحليلية لسيميائية الأهواء، واشتغلا باتجاه تطبيقها على الخطاب الروائي من خلال اتخاذهما مفهومي البخل والغيرة بوصفهما أُنموذجاً تطبيقياً.

 وفي هذا الكتاب نجد أنَّهما أحدثا تطوراً جديداً في دراسة الأهواء حيث اعتمدا على حالات نفس هذه الذات من خلال التركيز على كينونتها وليس على فعلها، أي أنَّ الذات لا تفعل فقط بل تحـمّـل فعلها شحنة انفعالية. (11) فالانفعال يصدر عن جسد الذات المنفعلة، ويمثِّل استجابة للأفكار التي تصدر عنه، وكذلك المواقف التي يتعرّض لها وتثير ردود أفعاله التي قد تكون فسيولوجية (عضوية) أو قد تكون سلوكية، وتختلف حدّتها حسب اختلاف المثير قـوّة أو ضعفاً، وحسب نوعية الدوافع التي قد تكون ايجابية فتثير الشعور بالسعادة أو سلبية فتثير الشعور بالحزن أو الغضب، فيصبح الجسد بذلك كاشفاً لحالات التقـبّـل أو الرفض لأنّه "جسد حاس، مدرك، جسد يعـبِّـىء كل الأدوار المتفرقة للذات في تصلب وقفزة ونقل. جسد باعتباره سداً وتوقـفاً يقود الى تجسيد مؤلم وسعيد للذات". (12)

لا بُـدَّ للبحث من الإشارة الى جهود بعض الباحثين الذين أثروا مسار الدراسات النقدية الأدبية بطروحاتهم في مجال سيميائية الأهواء، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: فرانسيس سيسيليا التي أصدرت في عام 2006م كتاباً بعنوان (السيرة الذاتية لغابرييل روي) قدمت فيها سيرة ذاتية لهذا الكاتب الكندي، وحاولت الربط بين الأهواء والمعنى ضمن تحليل نصي وخطابي، أمّـا آن إينو فقد أصدرت في عام 1994م كتابها المعنون (السلطة بوصفها هوى) وميّـزت فيه بين سيميوطيقا الأهواء القائمة على الاتصال بين الذات المدركة والعالم الموضوعي وسيميوطيقا العمل القائمة على الانقطاع والانفصال بين العالم والذات. (13)

 وأشار هرمان باريت في كتابه ( الأهواء محاولة في تخطيب الذاتية) الى أنَّ تشييد سيميائية الأهواء رهين بإقامة السيميائية الذاتية التي تقضي بإعادة النظر في الخصائص الذاتية المتجلية في الخطاب، وكذا في بعض المكونات والمستويات التي يقوم عليها المسار التوليدي ومن ضمنها إعادة تحديد البنية العميقة وإدماجها في فضاء ذاتي اساسي". (14) ما نلاحظه في جهود هؤلاء الباحثين أنهم اعتنوا بالبُـعد الانفعالي بوصفه حالة نفسية لها كيفيتها الحضورية في المسار التوليدي الخاص بالدلالة، فأسهموا بذلك في إثراء تصوّر سيميائي فتح المجال لدراسة وفهم الحالات الانفعالية للذات الاستهوائية في الخطاب الروائي.

أدّت الترجمة دوراً كبيراً في تعريف النُقّـاد العرب بمعطيات النقد الأدبي الغربي بتياراته ومدارسه، ومنها السيميائيات بمختلف توجهاتها، وكان لسيمياء الأهواء نصيبها من هذه الترجمات، والتي بدأت بجهود محمد الداهي الذي يُـعـدُّ أول مَن عـرّف بها من خلال كتابه (سيميائية الكلام الروائي) الذي أصدره عام 2006 م، ثم مقالته (سيميائية الأهواء) التي نشرها عام 2007م، ثم بكتابه (تجليات البعد الانفعالي في رواية الحي الخلفي لمحمد زفزاف)، ثم كتابه (هندسة الأهواء في رواية الضوء الهارب لمحمد برادة) الذي أصدره عام 2004م، ونشر محمد بادي مقالته (سيميائيات مدرسة باريس – المكاسب والمشاريع – مقاربة ابستمولوجية) عام 2007م، وأسهم أيضاً سعيد بنكراد اسهاماً كبيراً في التعريف بسيميائية الأهواء عندما ترجم كتاب (سيميائيات الأهواء: من حالات الأشياء الى حالات النفس) الذي أصدره عام2010م، وفي العام ذاته نشر عبد المجيد العابد مقالته ( سيميائية الأهواء - دراسة قصة أغنية هاربة للقاص صالح السهيمي مثالاً). وفي عام 2011م أصدر جميل حمداوي كتابه (مستجدات النقد الروائي)، وتُـعـدُّ هذه الإصدرات هي المراجع الأُولى التي منحت النُـقّـاد العرب فرصة المعرفة بسيميائية الأهواء وتطبيقاتها، وكذلك تطبيقها على الخطاب الإبداعي العربي.

2/ مُلـخَّص الخطاب الروائي (أحزان نوح )

 تدور أحداث هذا الخطاب في قرية مصرية لم يحدد لها الكاتب احمد جاد الكريم اسماً ، وتقع في حضن الصحراء، يجاورها المعبد الجنائزي الفرعوني ومقابر القرية، وتتركّز أحداثها حول شخصية (نوح) الشاب الثلاثيني الذي لا يميل الى الوحدة والعزلة، وتكتنف حياته انفعالات حزينة تعددت أسبابها، فالسبب الأول كان ابتعاد أبيه عن حياته العائلية، وعيشه في حجرة بائسة لحراسة المقبرة، وحبه لأسماء التي لم يجرؤ على مصارحتها فتزوجت غيره ورحلت أيضاً مع زوجها الى الخارج، وصديقه عزيز الباحث عن المتعة بأنواعها، وعندما اكتفى منها رحل الى الخارج، وصبري (ابن قريته) الذي أعطاه مخطوطاً فرعونياً عجيباً فهذه الأسباب مجتمعة عمّقت شعوره بالحزن، ودفعته الى الرحيل الى الصحراء للانفراد بذاته ، لكنَّـها كانت رحلة قاسية تشبه قسوة الصحراء، فيعود منها مهزوماً ويائساً ومريضاً بمرض يوصله الى الموت.

3/ نبذة سيرية للروائي احمد جاد الكريم

 كاتب وروائي مصري من مواليد مدينة طنطا بمحافظة سوهاج عام 1985م، حاصل على شهادة بكالوريوس في آداب اللغة العربية. بدأ بكتابة الشعر ثم اتجه عام 2010م الى كتابة الرواية، حصلت روايته الأُولى (ليالي السيد) الصادرة عام 2014م على المركز الثاني في جائزة ساقية الصاوي، وحصلت روايته الثانية (أحزان نوح) على المركز الثالث في مسابقة المجلس الأعلى للثقافة في مايو عام 2014م. (15)

وصدر له أيضاً رواية (تغريبة بني همام) عام 2019م.

المبحث الأول

 الخطاطة الاستهوائية (مهاد نظري)

 اشتغلت السيميائية بشكل عام باتجاه تحديد الوسائل الاجرائية التي أصبحت منطلقاً لتحليل الأهواء في الخطاب الأدبي، ومن أهم هذه الوسائل هي الخطاطة الاستهوائية المعيارية، التي وضعها كل من غريماس وفونتنيي فكانت على هذا النحو الترتيبي: (16)

مرحلة الانكشاف الشعوري مرحلة الاستعداد (التأهب) مرحلة المحور الاستهوائي مرحلة الانفعال مرحلة التقويم الأخلاقي (التهذيب)، حيث تتوالى مراحل الخطاطة الاستهوائية لتكشف عن حضور المعنى داخل الخطاب الإبداعي الذي تتناوله، كما تعمل على الكشف عن تدرّج الأهواء من مستواها العميق الذي يكمن في ثنايا الخطاب لتظهره الى المستوى السطحي فيمكن بذلك ملاحظته ودراسته.

إنَّ "الانتقال من الحالة )المرحلة) الاولى الى الحالة (المرحلة) الثانية لا يمكن أن يتم عن طريق الصدفة، بل يجب التعامل مع هذا الانتقال كعنصر مبرمج". (17) فالخطاطة بذلك ستشتغل باتجاه ضبط ايقاعات الأهواء في الخطاب الإبداعي وفق هذه المراحل التي سيتناولها البحث على التوالي:

1/ مرحلة الانكشاف الشعوري:

 تُـعـدُّ هذه المرحلة أول خطوة في تطبيقات الخطاطة الاستهوائية المعيارية على الخطاب حيث يتشكّل العامل بوصفه ذاتاً استهوائية عندما يدرج داخل حالة لمعرفة هوى معين. (18) فالكاتب الروائي سيرسم المعالم الشعورية لهذه الذات ليتمكن المتلقي من متابعة توجهها الاستهوائي، وبما أنَّ الشعور – حسب تعريف هاملتون - هو " معرفة النفس بأفعالها وانفعالاتها". (19) فهو إذاً المعرفة المباشرة للصفات النفسية للذات التي تبدو من خلال العواطف والأفكار والذكريات التي ستكون قوة تحرِّكها باتجاه هوى معين حيث " ينكشف شعور الذات لما تعبِّـر عما ينتابها داخليا من أهواء، وتمثل هذه المرحلة بروز الذات الاستهوائية في الخطاب، إذ تصبح في حالة شعور بهوى معين". (20) وهذا التعبير الداخلي هو الذي سيحدد تفكير الذات وأفعالها وما يصدر عن الآخر من أفعال تثيرها شعورياً. وتظهر من خلاله بعض التغيرات الايقاعية كالاضطراب أو التباطؤ أو التوقف أو التسارع. (21) وهذه التغيرات هي التي ستمنح المتلقي قدرة التعـرّف على تطورات هذا الهوى داخل الخطاب، فتكشف عن الصراع القائم في نفس الذات، وتشير الى التغيرات في مزاجها ومواقفها لأنَّ الكاتب الروائي سيعمل على وضع الذات الاستهوائية في حالة شعورية تدريجية يكشفها التعبير اللفظي الدال على هذه التغيرات.

2/ مرحلة الاستعداد (التأهُّـب):

تفتح هذه المرحلة الباب امام الحقل الخطابي ليكون موضع الدراسة " فعندما نكبُّ على معالجة الاستعداد الهووي نكون قد غادرنا الحقل السميوسردي الضيق ونستعد للدخول الى الحقل الخطابي". (22) الذي سيوفر إمكانية استجلاء قدرة الذات على الدخول في هوى معيّـن لأنَّ الاستعداد يمثّـل" حالة قابلة للتوقع بهذا القدر أو ذاك، إنه بالتأكيد عامل من عوامل توقعية سلوك الذات". (23)

 ولهذا سيسعى المتلقي في هذه المرحلة الى البحث عن مدى امكانية الذات الاستهوائية وامتلاكها للاستعداد الذي ستحقق من خلاله الهوى الذي يشغلها، وذلك من خلال ما يوفره الخطاب من معطيات عن حالتها النفسية وتقلباتها التي ستنكشف أثناء انفعالاتها فتصبح متأهبة لذلك الهوى أي انّـه يمثّـل المرحلة التي تتلقى الذات من خلالها المحددات الضرورية للشعـور بهوى أو بنوع منه وليس غيره. (24) فالاستعداد لا يتحقق إلاّ عبر المرور بحالات نفسية تعانيها الذات المنفعلة.

3/ مرحلة المحور الاستهوائي:

 وهي المرحلة الثالثة من مراحل الخطاطة الاستهوائية، و"تعتبر هذه المرحلة أساسية لتحقيق الهوى، فمن خلالها تتعرف الذات على أسباب اضطرابها وتدرك القيم الانفعالية التي كانت موضوعاً لها في المرحلتين السابقتين". (25) حيث تشعر الذات الاستهوائية بتغيّـر حالتها النفسية، وتعرف أسباب ذلك التغيّـر، ولهذا يُحددها فونتنيي بأنَّها "تلك اللحظة التي نشعر فيها أننا أمام تحـوّل للحضور، وليس أمام تحـوّل سردي فـقـط". (26) وهذا التحوّل هو الذي سيجعل المتلقي "يتعرف بالجملة على القيم الانفعالية التي يتنبأ بها التكوّن أو التأهُّـب، وتتشخص هذه المرحلة باعتبارها تحقيقاً للهوى الذي يجعل الذات تكتشف سبب ضجرها الداخلي. (27) وبذلك يصبح الهوى واقعاً تعيشه الذات الاستهوائية المنفعلة بكل معطياته التي نتجت عن مواقف قد تعمل على تهديد أمنها النفسي.

4/ مرحلة الانفعال:

تبين هذه المرحلة من مراحل الخطاطة الاستهوائية "ردود فعل الجسد ازاء الاحساسات المحزنة او المبهجة وفي هذه الحالة يصبح الانفعال حدثا استهوائيا قابلا للملاحظة والتقويم. (28) فجسد الذات هو الذي سيحضر حضوراً فاعلاً في هذه المرحلة من خلال الانفعالات المتنوعة، وبذلك يترتب على المتلقي متابعة هذه الردود وعلاماتها المصاحبة لهوى الحزن مثل القلق والتوتر والاكتئاب، لأنَّ الانفعال هو " رد فعل عاطفي، كثيف في الغالب، ويتجلى من خلال اضطرابات متنوعة، وخاصة من طبيعة عصبية". (29) إذاً يقترن الانفعال بالعاطفة، والانفعال هو " حالة نفسية معقدة تبدو مظاهره العضوية في اضطرابات تظهر على الجسد، فهو تغير مفاجىء يشمل الإنسان كله نفساً وجسماً في سلوكه وشعوره". (30)

أشار طلعت منصور وآخرون الى أنَّ الانفعال هو "خبرة أو حالة ذات صبغة وجدانية، نفسية الأصل، وتكتشف في السلوك والوظائف الفسيولوجية، وكلمة وجدانية تعني جوانب الإحساس باللذة أو السرور أو الألم التي تقترن بالحالات الانفعالية". (31) ولا بدَّ من وجود مثير يثير انفعالات الذات الاستهوائية سواء أكان مثيراً داخلياً أو خارجياً، وسواء أكانت الانفعالات ايجابية مثل السعادة والفوز والحب والشجاعة، أم كانت سلبية مثل الفشل أو الغضب، أو الحقد أو الخوف، فيأخذ ردّ الفعل عليه شكلاً عنيفاً ويزول بزوال المثير، أو "انفعال هادىء يدوم طويلاً، ويستحوذ على النفس ويصبح موجهاً للسلوك كالعاطفة مثل: الصداقة، الحزن، الحب، الحنان، الخجل". (32)

أمّـا الجانبان المكونان للانفعال فهما:

1// الجانب الفسيولوجي (العضوي): يهتم بالتغيرات التي تحدث في جسد المنفعل مثل: تغير في التنفس وسرعته، وازدياد حرارته وتصبب العرق، وتغير حجم العين.

2// الجانب السلوكي: يتمثل في تعبيرات الوجه، والتعبير اللفظي ونبرة الصوت، وطريقة تفكير المنفعل وإدراكه، ومظاهر النشاط العقلي. (33) ويمكن ملاحظتهما في سلوك الذات الانفعالية.

 

5/ مرحلة التقويم الاخلاقي (التهذيب):

 يُـعـدُّ المرحلة الأخيرة من مراحل الخطاطة الاستهوائية، ومن خلاله يظهر التقويم الأخلاقي بوصفه تركيباً للجوانب المتوترة الفردية والجماعية للهوى، فلما تصل الذات للنهاية تكون قد أظهرت لنفسها وللآخرين نتيجة التحوّل الاستهوائي، الذي سيمـكّـن بالتالي من تشييد ملاحظ كامن للمتوالية برمتها، وهذا الملاحظ هو الذي يقـوّم الهوى أخلاقياً سواء باسم الثقافة التي يمثِّـلها أو باسمه الخاص وذلك في نطاق أنَّـه مورط أو قابل للتوريط داخل المشهد الاستهوائي. (34) فتجسيد الهوى في الخطاب الروائي سيسمح للمقوِّم (المُـتلقي) بالقيام بعملية تقويم الهوى التي يتبعها إصدار أحكام تتناول أسباب نشوء الهوى ونتائجه، وكذلك مجموعة المشاعر والأحاسيس التي أدّت الى تمكّن الهوى من نفسية الذات الاستهوائية، وتوجيه سلوكاتها في المواقف والأحداث التي تعرّضت لها، وفي الوقت ذاته يشتغل المُـقـوِّم باتجاه إنشاء ملاحظاته "عن طريق التقييم الايجابي أو السلبي للهوى". (35) فأصبح بالإمكان قياس هوى الذات، وتحديد قيمته سواء أكانت سلبية أم ايجابية.

 إنَّ التقويم الأخلاقي قد يصدر عن الذات الاستهوائية إزاء شخصيات الخطاب الروائي، أو يصدر عن هذه الشخصيات التي ستقدم حكمها الأخلاقي على الذات، كما تصدر الأحكام على هذا الهوى من قِبل المجتمع، وهذا ما سيسمح بالتالي بتقويم الهوى في المحيط الثقافي للذات من خلال معطياته الاجتماعية.

المبحث الثاني

 الخطاطة الاستهوائية للذات الحزينة في الخطاب الروائي (أحزان نوح)

1/ مرحلة الانكشاف الشعوري

لا بُدَّ لنا من الإشارة الى أنَّ الكاتب الروائي يعمد الى خاصية الانتقاء في تحديد عناصر خطابه الروائي، وأول ما ينتقيه هو الراوي الذي يرويه، وفي الخطاب الروائي مدار بحثنا نجد أنَّ الروائي احمد جاد الكريم قد اختار رواياً ليس من شخصيات هذا الخطاب ولكنّـه عليم بكل شيء عن شخصياته، كما اختار تقنية السرد التناوبي (المتقطع أو المتداخل) للأحداث حيث تتداخل فيه الأزمنة الثلاثة (الماضي والحاضر والمستقبل) ولا تعتمد على تسلسلها الزمني المنطقي، أمَّـا الأماكن التي تتحرّك فيها شخصيات هذا الخطاب فمتعددة وأكثرها تأثيراً في الذات الاستهوائية (نوح) هي قريته التي يعيش فيها ومقبرتها والمعبد الفرعوني والصحراء.

 تبدأ هذه المرحلة في تفكير الذات الاستهوائية (نوح) قبل رحيلها الى الصحراء فتعلن على لسان الراوي "أنا الشاهد المشبوح على صليب الحكايات الموجعة، أنا الراوي والرائي، أنا نوح ابن حارس المقابر". (36) يلاحظ المتلقي هنا بداية تشكّل شخصية نوح بوصفه ذاتاً استهوائية حزينة، فيعرِّف بهذه الذات بتعبير لفظي وصفي: (الشاهد، المشبوح، الراوي، الرائي، ابن حارس المقابر) التي تؤكِّـد على شعوره بذاته التي بدأ هوى الحزن يصبغها الحزن بصبغته حيث يراها وقد صُلبت على صليب يختلف عن أداة الصلب المعروفة التي تُستعمل للإعدام الجسدي بل هو صليب حكايات متعددة، فحكايته أولاً، ثم حكايات مَن حوله من شخصيات الخطاب الروائي مدار البحث: الأب أولاً، وعزيز ثانياً، واسماء ثالثاً، وصبري رابعاً، الذين سيتناولهم البحث على التوالي.

الأب هو أول شخصية سيقف عندها البحث لأنّـها الشخصية الأكثر تأثيراً في الذات الاستهوائية (نوح) التي تعلن عن طريق الراوي "ظلمت نفسك يا أبي، اختصرت حياتك في حجرة، حارساً للموتى، منذ متى والموتى يحتاجون حراسة؟ نصَّـبتَ نفسك ملكاً على الصراط القائم بين خيط الحياة وخيط الموت". (37) فالأب المنعزل عن الحياة العائلية السعيدة شكَّل حالة حزنٍ لدى الذات الاستهوائية (نوح) لأنَّـه ظلم نفسه بعزلته الاختيارية كما ظلم عائلته أيضاً، وكانت هذه الحراسة سبباً لتساؤل الذات: هل يحتاج الموتى الى حراسة؟ نلاحظ هنا أن شعور الحرمان يظهر ويتحكم بوالد الذات وعائلته أيضاً، بل إنَّ هذا الحرمان يختلط بالحزن.

ارتبطت الذات الاستهوائية (نوح) بعلاقة صداقة مع ابن قريتها عزيز مصدق رغم الاختلاف الشاسع بين شخصيتيهما المتناقضتين، فعزيز باحث دائم عن المتع الآنية التي يقتنصها عند توفر الفرصة، بغضِّ النظر عن كونها متعة حلال أم حرام، مفيدة أم ضارة مثل الخمر والمخدرات، والذات تراقبه دون أن تتأثر به، وعندما لم يجد عزيز متعة جديدة قرر الرحيل الى خارج مصر لأنه لا يعرف "الشجن والحزن للفراق". (38) فترك أثراً بالغاً في نفس الذات (نوح)، ولهذا نجد الراوي يقرأ دخيلة هذه النفس ويكشفها للمتلقي حين يقول "كان رحيله نقطة الختام لأشياء بدأها أربكت كياني ووضعتني على صليب الحيرة مشبوحاً، تمطرني سياط الرغبة، أتخلص منها لأرتمي في أحضان الندم". (39) فحالة الفراق هذه خلّـفت آثاراً متنوعة في نفسية الذات، ليس الميل الى هوى الحزن فقط بل لحقه شعور بالإرباك والحيرة دفعها الى السؤال الأزلي: لماذا يهجر الشباب المصري وطنهم ويبحثون عن ملاذٍ آخر خارجه؟

وفي الوقت ذاته تمطرها سياط الرغبة التي يبدو أنـّها رغبة السفر واللحاق بعزيز، ذلك اللحاق الذي لم تتمكن الذات منه، فيجتاحها شعور ناتج عن هوى الحزن هو الندم لأنَّ ارتباطها بقريتها وما فيها أقوى من أن يدفعها للرحيل عن البلد بأكمله، وشعورها بأنَّ لديها رحيل آخر الى مكان آخر سنكشف عنه في ثنايا بحثنا هذا.

وتكمل مرحلة الانكشاف الشعوري تدرّجها عندما نتوقف أيضاً عند شخصية أُخرى هي شخصية (اسماء) الفتاة التي أحبّـتها الذات لسنوات دون أن تمتلك شجاعة مصارحتها بمشاعرها، بل كانت تشعر بالمتعة لرؤيتها عندما تذهب الى صيدليتها ولم تجرؤ على مصارحتها، واسماء أيضاً لم تكتشف مشاعر الذات التي ظلت في طيّ الكتمان العميق على مدى مسار الخطاب الروائي مدار البحث لكنّـها كانت تؤرِّق الذات وتعذِّبها فيتمكن منها هوى الحزن أكثر فأكثر، فتقرر الذات (نوح) الابتعاد عنها حيث "انقطع عن رؤيتها لأشهر ثم رآها أخذ ينخر الحزن في قلبه وبدا كالغائب عن الوعي، وسهر في تلك الليلة وأسبل دموعه حتى ابتلت الوسادة، وفي الصباح واجهته أمه دامعة وجمعت جسده بين ذراعيها يا نوح مزقت قلوبنا وانت تعوي طوال الليل". (40) يلاحظ المتلقي هنا أنَّ هوى الحزن الذي اجتاح الذات اقترن بغياب وعيها أي انفصاله عن العالم المحسوس حوله بدايةً، ثم اكتشافها لما فعلته أثناء الليل عند مواجهة أُمّـها لها في الصباح.

إنَّ المواقف التي توقفنا عندها حدثت قبل رحيل الذات الى الصحراء التي لم تتمكن من تغيير أو محو مشاعرها نحو اسماء بل استمر حنينها إليها حتى بعد الرحيل حيث يعلن الراوي على لسانها "عاصفة رملية شديدة شممت فيها رائحة الحنين، حنين مُوجَع فارق حبيبته، في هذه الساعة تذكرتك يا أسماء، أنا الذي ظننت أني جئت هنا لأنساك فأجدك مع أول هبة ريح". (41) فالتذكر هنا مقرون بهوى الحزن وشعور الحنين.

صبري الهاشم هو الشخصية الرابعة التي كان لها تأثيرها على الذات الاستهوائية (نوح) وذلك لأنه أعطاها مخطوطاً فرعونياً عجيباً ورثه عن أبيه، واختفى بعدها، ورغم استغراب الذات وتساؤلها عن سبب اختيار صبري الهاشم لها إلاّ انَّـها توافق على أخذه، وبعد اطلاعها عليه تجده يحكي قصة اوزوريس الملك الفرعوني وزوجته ايزيس. (42)

 ورحلة البحث عن المعرفة وارتباطها بالنار، ولهذا نجدها تصرِّح من خلال الراوي "الاستاذ صبري هو نفسه الذي دفعني الى هنا، بمخطوطه العجيب، يُـخيل اليَّ الآن أنه عاش الدوَّامة نفسها، ربما دفع بالمخطوط إليَّ ليتخلص من المتاهة التي وقع فيها ووقعت أنا أيضا". (43) فتضيف بذلك مشاعر الشك والقلق التي تقودها الى تساؤلات تشوِّش تفكيرها لأنها لا تجد لها أجوبة مقنعة.

إذاً مرّت مرحلة الانكشاف الشعوري بعدة مواقف كشف كل منها عن القـوّة التي حرّكت هوى الحزن في نفس الذات، فأصبح بذلك قابلاً للقياس والملاحظة من قِبل المتلقي.

2/ مرحلة الاستعداد

في هذه المرحلة سيكون على المتلقي تحديد معطيات الخطاب الروائي التي ستشتغل باتجاه توفير امكانية الذات الاستهوائية (نوح) من تحقيق هوى الحزن الذي يشغلها والعمل على إبرازه، فيجد الراوي يعلن على لسان الذات (نوح) "أقول أنا نوح ابن حارس المقابر، المُـعـفَّـر بتراب الموتى، المُـحاط بهم في كل مكان يذهب إليه، سأظل موثق الأيدي، تتقاذفني أمواج الحياة لا أجد لي مرسى تستقر على متنه سفينتي، اتجهت محملا بجسدٍ يحمل بذور مرض لا يعرفه، ورح مثقلة بحمل رحيل الأصدقاء، وقلب هـدَّه الحُـبُّ، كان عليَّ الرحيل الى الصحراء حيث النداء المُـلـحُّ الذي ما يزال يلاحقني منذ وعيت على الدنيا، وياليتني ما وعيت." (44) هنا تبدأ المواجهة الصراعية بين الحياة والموت، فالموتى يحيطون بالذات، ويعفرون وجودها الحياتي بأكمله وليس جسدها فقط بل روحها أيضاً، تلك الروح التي تبحث عن حياة أفضل لكنها لا تجد سوى ما يثير حزنها، ذلك الحزن الذي يصبغ وجودها بصبغته القاتمة، وهذا ما يثير شعورها بالضياع بعد فقدِ الحبيبة والأصدقاء برحيلهم بعيداً عنه، وانقطاع سُبل الاتصال بهم، فأدركت الذات وحدتها العميقة التي أحكمت وثاقها في نفسها، ولهذا يجد المتلقي أنّ الراوي يكشف عما يختلج في نفس الذات (نوح) وهو يبحث عن مخرج لصراعه مع المتناقضات: الحياة والموت، الصحبة والوحدة، وهو صراع بدأ مع بداية وعي الذات الاستهوائية بالحياة.

وفي مقتطف آخر من الخطاب الروائي مدار البحث يعلن الراوي "بعد عصر يوم دار نوح حول سور القرافة كمن يبحث عن شيء، لف المكان حتى انتهى الى الخلاء حيث الرمال الناعمة تداعب حذاءه، اصفرار الشمس واصفرار الرمال ينعكسان على صفحة وجهه فتبرق عيناه بالاصفرار، من بين أجفانه سالت نظرة حزينة، نظرة حنون، نوح كطفل جائع يبحث في يأس عن ثدي أمه، بصبر يمد بصره هناك حيث اللاشيء، يريد ان يذهب، ثمة نداء ما يهتف في أعماقه بقوة، يدعوه لخوض الصحراء ماشيا والعيش منفردا لمدة طويلة". (45) يكشف هذا المقتطف عن شعور الذات الاستهوائية بالحيرة المقرونة بالحزن والمتمثلة بالدوران حول المقبرة، ذلك المكان الذي يمثِّل عنصراً أساساً على مستوى الخطاب الروائي من جهة، وعلى ادراك الذات الاستهوائية لوجوده القيمي في حياتها من جهة مقابلة، فالمكان يمتلك خاصية التأثير العميق في نفسية الذات وفي سلوكها، ولهذا دارت حوله دورة كاملةً لتؤكِّـد على صلته الحميمة بها، ولكنَّ استعداد الذات لمغادرته أصبحت حتمية لأنه المكان الذي ارتبط أيضاً بأحزانها، فأخذت تبحث عن البديل المختلف الذي تصورت فيه مخرجها من الحزن من جهة، ودخولها في مرحلة حياتية مختلفة من جهة ثانية.

يلاحظ المتلقي هنا أنَّ الصراع الذي اعتمل في نفس الذات الاستهوائية (نوح) اقترن بهوى الحزن، وأدّى الى يقظة نداء هتفَ في أعماقها يدعوها لمغادرة المكان الذي ارتبطت به فكرياً ونفسياً، واستبداله بالصحراء، فالاستبدال هنا ليس مكانياً فقط بل هو الانفراد والوحدة وقطع الصلة العلائقية بالقرية ومَن فيها، والشعور بالحزن كشف عن عدم قدرة الذات على التكيُّـف، وأفقدَها إحساسها بالاستقرار والأُلفة مع الآخر المتمثِّـل بالعائلة والأصدقاء والحبيبة ولهذا كان على الذات أن تبدأ برحلة تشكِّـل فيها الصحراء مكاناً أقرب ما يكون الى الملاذ الذي تبحث فيه عن ذاتها ووجودها وسعادتها.

 إنَّ مرحلة الاستعداد قد اكتملت، وأصبحت الذات الاستهوائية (نوح) واعيةً بحزنها ومتأهبة له، ولهذا تحاول الخلاص منه، وهنا سيثار سؤال في ذاكرة المتلقي:

هل استطاعت الذات الخلاص من هوى الحزن؟

للإجابة عن هذا السؤال سيبحث المتلقي في ثنايا الخطاب الروائي ليجد الراوي يعلن على لسان الذات في الصحراء عندما وجد عشاً مهجوراً فقارن الطائر بنفسه "أم أنه مثلي اختار طريقا للرحيل ولم ينتظر". (46) يكشف هذا المقتطف من الخطاب الروائي عن مقارنة الذات الاستهوائية لذاتها بالطائر الذي هجر عشّه وهو ايضاً هجر قريته، ولكنه يطلب من الطائر العودة ليؤنسه في وحشته، وليس الوحشة فقط بل للتواصل والتفاعل معاً من خلال البكاء

3/ مرحلة المحور الاستهوائي:

في هذه المرحلة يتعرّف المتلقي على حالة تحقيق الهوى من خلال تعرّف الذات الاستهوائية على أسباب شعورها بالحزن الناتج عن أفعال أو أقوال تهدد وجودها، فالتهديد الوجودي للذات الاستهوائية (نوح) سيكون مبعثاً لتطور شعورها بالحزن، ذلك التطور الذي تعلن عنه على لسان الراوي "الصحراء عالم متسع، فسيح كالنفس البشرية تتعارك فيها أمواج الرمال الناعمة، وتتضارب طامسة الأعين ومغبرة الثياب، هكذا كانت نفسي الظامئة، الجافة من العطش محشوة برمال كهذه الرمال التي لا عد لها ولا حصر، كل ما بداخلي يتلاطم ويهزني فأكاد أسقط. (47) إنَّ وتيرة الحزن بدأت بالارتفاع أثناء وجود الذات الاستهوائية منفردةً في الصحراء لتصل الى حد الشعور بالاكتـئـاب وتضارب المشاعر الناتج عن نفسها الظامئة الى الشعور بالسعادة والأُلفة والسلام لأنَّ الصحراء أصبحت مصدر تهديد وجودي لها، فاستفحل هوى الحزن في نفسها، وهذا ما سيدفعها الى التفكير العميق بمصيرها الذي أصبح معركة مُقلِقة تدور في ذاكرتها، فتعلن على لسان الراوي "جلست وقتا أفكر في مصيري الذي يدفعني دوما للهلاك، بدأ المغيب يزحف ومعه يزحف الخوف ليستقر في قلبي". (48) فمعركة المصير أصبحت موضوعاً قيمياً يتفاعل في ذاكرة الذات ليصل الى حد تصريحها على لسان الراوي "القدر يلاحقني لكني لا أود الموت بعيدا عن الصخرة والبئر، هناك مكان خيمتي، الحياة هناك ترسم لونا أخضر وسط صفرة الرمال الكئيبة، فكرت أن أزرع هذه البقعة". (49) فأصبحت الصخرة الصحراوية والخيمة والبئر هي الأمكنة التعويضية الآمنة للذات بدلاً من قريتها التي تدفعها الى اتخاذ قرار" سأحفر قبراً بجوار الصخرة، وأبدأ بزرع الواحة، لأرى اللون الأخضر لأول مرة قبل موتي، لا بد ان يتجاور الموت مع الحياة، كي تتخفف من أحزانك يانوح، هكذا حدثت نفسي". (50) هنا يصبح صراع الموت والحياة في أوجه، فمع أنَّ الذات الاستهوائية (نوح) تصارع أحزانها، وتقرر حفر قبرها وهو ما يؤكد وصولها الى قمة اليأس والقلق والضجر إلاَّ انَّـها بالمقابل تبحث عن الحياة المتجددة والمتمثلة بزرع واحةٍ خضراء قرب القبر، وهذه البادرة تؤكِّـد على أنَّ هذه الذات تعيش لحظة اللا توازن فتبحث عن آلية تدافع بها عن وجودها، وتترك أثراً بعدها يمنح الآخرين سعادة الراحة في الواحة والارتواء من البئر، فيما تواجه هي مصيرها الذي يشير الى الاستسلام حيث تصرِّح على لسان الراوي الذي يقرأ للمتلقي رسالة هذه الذات التي كتبتها الى أبيها " انتهت احزاني تماما، الموت ياأبي ماحق يمحو كل شيء، حتى الحزن يتفتت تحت أقدامه". (51) عندما يتلقّى المتلقي هذا المقتطف من الخطاب الروائي سيتوقع انتهاء حالة الحزن لأنَّ هذه الرسالة مؤشِّر على أنَّ ضغط الحالة النفسية أصبح عالياً تماماً ودفع بالذات الى إعلان انتهاء حالة الحزن، ولكنها سرعان ما ستحيله الى التناقضات التي تعيشها هذه الذات والمتمثلة في رغبتها بالموت والفناء، وفي المقابل تصرّح على لسان الراوي وفي الرسالة نفسها "سيسعدني لو جاء شخص وكتب أحزاني، سيكون عزائي الوحيد أن أرحل وتخلد حياتي، من يجسر على فعل ذلك؟ أوراقي في البيت، وأحزاني مدفونة في قلبي والمخطوطات بجواري. (52) فتفتح بذلك باب الشعور بالسعادة المفقودة والمحلوم بها، والرضى الذاتي عن النفس لكنَّ هذه الذات المتخبطة في تناقضاتها تضع العراقيل أمام تحقيق هذه السعادة التي لا يجسر عليها أحد، وفي الوقت ذاته تحرمها من الخلود الذي تتمناه بقيام أحد الأشخاص بكتابة أحزانها.

 إنَّ قرار الرحيل الى الصحراء الذي اتخذته الذات ونفّـذته لأنَّـها رأت فيها منفى لم يحقق هدفها بالخلاص من أحزانها، وهذا ما يؤكِّده الراوي الذي يكشف عن أنَّ نوح "حاول طيلة أيام المنفى أن يلمَّ ما تناثر من نفسه الممزقة". (53) فهوى الحزن ما يزال هو المتحكم، وهو الذي أوصله الى الشعور بالانطفاء الداخلي بعد عودته الاختيارية أيضاً الى قريته، لكنّـه كان "يائسا ويابسا، يدعو منظره للرثاء". (54) وبذلك تحوّل هوى الحزن لدى الذات الاستهوائية (نوح) من حالة شعورية قد تزول بزوال المسبب الى حالة ثابتة تلازمها، فتظهر أعراضها واضحة للآخرين وهذا ما يكشف عنه المقتطف التالي من الخطاب الروائي "أمام الحجرة كان يجلس أبو نوح في انتظار مصدَّق، رآه يحمل بعضا منه أو من بقاياه، صرخ ابو نوح ونفض عنه انكماشه وجسمه المهدود، وقام على قدمين متهالكتين وطفر دمعه وهو يحمل نوح واختلطت دموع الثلاثة". (55) فعند وصول الذات الاستهوائية الى قريتها رآها مصدق، وحملها لأنّها لم تعد قادرة على السير، وأوصلها الى حجرة الوالد المهدود.

4/ مرحلة الانفعال

أشار البحث الى أنَّ الانفعال حالة نفسية الأصل تصيب الإنسان عندما يتعرّض الى مواقف توترية تصحبها تغييرات فسيولوجية أي التغييرات التي تختصّ بوظائف الأعضاء والأجهزة الحيوية الداخلية للذات الاستهوائية المنفعلة، أو تصحبها مجموعة من المظاهر الجسمانية الخارجية السلوكية التي تنتج عنها مثل تعبيرات الوجه، والتعبير اللفظي، وطريقة تفكير هذه الذات، والتأمّل في معطيات الخطاب الروائي مدار البحث يؤشِّر حضور المظاهر الجسمانية للحزن بوضوح، ولهذا سيتوقف البحث عندها في هذا القسم منه.

إنَّ الذات الاستهوائية (نوح) رغم تخصصها في التاريخ تستمع لشخصية نجاتي حارس المعبد الفرعوني وهو يشرح لها طقوس الموت والحساب الأُخروي عند الفراعنة، وكان ردّ فعلها على هذا الشرح "خرَّ الوجع من نوح، وطفحت أحزانه عندما تذكر مصير الموتى في مدافن أبيه والموتى هنا، هناك حيث الدود والعفن وانبعاج الجثث المنفوخة، ثم الفناء النهائي، بلا عتادٍ أو أسلحة تنقذه في رحلته للأبدية". (56) فيكشف الراوي عن انفعال فسيولوجي توتري يمثّل ردّ فعل جسد الذات حين سقطت في الوجع المؤلم سقوطاً نفسياً انفعالياً أثار دموعها بسبب المثير الانفعالي الذي أُثير من خلال كلام شخصية نجاتي عن الموت والحساب ، وكان تأثيره عميقاً في ذاكرة الذات التي قارنت بين هذه الطقوس المختلفة تماماً لأنها تشتغل باتجاه حفظ الجسد من الفناء ضماناً لعودته الى الحياة وخلوده، وبين ما يحصل لجسد الإنسان المعاصر حين يُدفن مع الدود، ويصيبه التعفن ثم الفناء.

وفي المقتطف التالي نجد الذات تقدِّم وصفاً للصحراء على لسان الراوي، وتقرنها بنفسها "الصحراء عالم متسع، فسيح كالنفس البشرية تتعارك فيها أمواج الرمال الناعمة، وتتضارب طامسة الأعين ومغبرة الثياب، هكذا كانت نفسي الظامئة، الجافة من العطش محشوة برمال كهذه الرمال التي لا عد لها ولا حصر، كل ما بداخلي يتلاطم ويهزني فأكاد اسقط". (57) إنَّ وجود الذات الاستهوائية في الصحراء التي تتأمّـلها ثم تصفها بصفة الاتساع، يجعل منها مثيراً انفعالياً تستجيب له استجابة سلبية تتمثّـل برمالها التي تتعارك مع بعضها، وتسبب طمس عيون البشر وتوشِّح ثيابهم بغبارها، وتقرن هذا كله بنفسها الظامئة التي تعاني من العطش، ويظهر ردَّ فعلها بشكل انفعال سلوكي يبدو واضحاً من خلال تصريحها المعلن الذي يكشف عن تلاطم أفكارها حتى كاد جسدها يسقط.

إنَّ الخسارات التي لازمت الذات الاستهوائية (نوح) في رحلتها الحياتية التي عاشها في هذا الخطاب الروائي أوصلته الى حالة الضياع الاكتئاب، وفقدان الطاقة الايجابية لاستمرار الحياة، فبدا " كدمع محبوس في العين، كغيم لم يقطر أبدا على أرض جرداء". (58) هنا يبدو رد الفعل الجسدي واضحاً سلوكياً بدلالة انحباس الدمع، والغيم الذي لا يمطر على أرضٍ تحتاجه، فالتشبيه هنا يكشف عن كونه علامة على الحالة التي تعيشها الذات، ويتكرر تشبيه الذات لنفسها عندما يعلن الراوي " كنت كطائر عجوز ضلَّ طريقه، فأطلق جناحيه المنتوفين يبحث عن مأوى له، أو سرب جديد ينخرط فيه، طال الترحال حتى هـدَّه التعب، وجف ريقه من العطش، العطش مرة ثانية، كل الكائنات تخشاه وأنا ذاهب إليه بنفسي!". (59) فالطيور في الواقع العياني علامة للحرية لكنَّ الذات تشبّه نفسها بطائر عجوز لا يقوى على الطيران، فأصبحت وحيدة، تلك الوحدة التي تؤشِّر انفصالها عن مجتمع تتعايش معه، بل أنَّها تمنح المتلقي دليلاً آخراً على أنَّ الانفعال السلبي يوجِّه الذات توجّهاً سلبياً أيضاً بدلالة فقدانها لقدرتها على الاختيار السلوكي الايجابي حيث اختارت الصحراء والعطش والوحدة التي ترفضها الكائنات الحيّة اختياراً ذاتياً ولم يُفرض عليها قسراً.

تمثِّل طريقة تفكير الذات الاستهوائية إزاء المواقف التي تمرّ بها جانباً سلوكياً للانفعال، تطرح من خلاله هوى الحزن الذي يكتنفها، ويحدد مسارات وجهة نظرها الحزينة التي سيكون مصدرها تصريحاتها المعلنة، وهذا ما سنجده في هذا المقتطف من الخطاب الروائي مدار البحث حيث تكشف هذه الذات عن طريق الراوي "أنا الذي قضيت عمري أرى الموتى والتراب يحضنهم، يدخلون القبر بكل استسلام وهدوء، راضين بنهايتهم". (60) فالشعور بالرضى والاستسلام يغمر الموتى الذين رآهم في قريته، أمّـا الذات فستواجه مصيراً مختلفاً حيث تصرّح " أدفن في أحشاء ذئب، يطعمني لأولاده، يتقاسمون جيفتي ليلاً، وربما يتركون جزءا مني لنسور آبقة هنا تقتات على بقيتي، عشت موزعا في دنياي ثم أتوزع في آخرتي، سيكون لي مئة قبر يحمل أجزائي التي تتنازعها الذئاب، حتى دمائي ستشربها رمال الصحراء أو تُبخرها نار الشمس". (61) فهوى الحزن أصبح حقيقةً وليس هاجساً فتوجّه تفكير الذات نحو الموت مصيراً، بل الفناء المحتم بدلالة تعبيراتها اللفظية (دمائي ستشربها رمال الصحراء أو تبخرها نار الشمس)، فينتهي وجودها الحياتي تماماً.

5/ التقويم الأخلاقي

يكشف التقويم الأخلاقي لشخصيات الخطاب الروائي مدار البحث عن أسباب نشوء هوى الحزن ونتائجه ليتمكن من إصدار أحكامه على هذا الهوى، وبما أنَّ هذا التقويم عملية متبادلة بين شخصيات هذا الخطاب، فإنّه سيصدر أولاً عن الذات الاستهوائية التي ستطلق أحكامها على ذاتها أولاً، وعلى الشخصيات الأُخرى ثانياً، ويصدر عن هذه الشخصيات التي ستعمل على تقويم الذات الاستهوائية ثالثاً، وبهذا سينفتح المجال للمتلقي الذي سيصدر حكمه أو تقويمه على الذات وعلى الشخصيات الأُخرى راصداً ايجابيات مواقفها وسلبياتها بوصفه ممثلاً للمجتمع الذي نقله الخطاب الروائي فنياً، لأنَّ الهوى لا يرصد إلاّ في بيئته الثقافية التي نشأ وتطوّر فيها، وأول حكم تقويمي سيقف عنده البحث هو تصريح الذات الاستهوائية (نوح) عن ذاتها، "ياأبي كل ما حدث لي كان سببه وقوعي في غرام التاريخ، أُقلب في صفحات الكتب وتسكنني الحوادث التي أقرأ عنها، تاريخنا حزين ياأبي، في أوج الانتصارات كانت تسحُّ الأحزان وتهطل الدموع كماء المطر مقتلعة كل فرحة، كل ما حدث لي في حياتي كان من سطوة هذه الكتب". (62) فهذه المكاشفة الصريحة بين الذات الاستهوائية (نوح) والأب تحدد سبب هوى الحزن الذي اجتاحها والمتمثِّـل بغرامها بالتاريخ المُسطِّر في الكتب، وهو تاريخ يرتبط فرحه بحزنه ارتباطاً وثيقاً وذلك لطغيان العواطف والانفعالات الايجابية والسلبية معاً في مجتمعنا العربي، فالانتصار سعادة لكنّـه يقترن بالدموع الغزيرة أي أنَّ السعادة والحزن وجهان لعملةٍ واحدة، وكانت نتيجة هذا الحزن المتوارث هي الاستسلام للموت "انتهت أحزاني تماما، الموت ياأبي ماحق يمحو كل شيء، حتى الحزن يتفتت تحت أقدامه". (63) فالموت هو الخلاص الوحيد للذات (نوح) من هوى الحزن الذي لازمها طيلة مسار الخطاب الروائي مدار البحث، وهو تقويم سلبي أصدرته الذات على ذاتها لاقتناعها بالموت والاستسلام له.

وتصدر الذات حكمها على أبيها بتصريحها "ظلمت نفسك ياأبي، اختصرت حياتك في حجرة، حارسا للموتى، منذ متى والموتى يحتاجون للحراسة؟! نصَّبت نفسك ملكاً على الصراط القائم بين خيط الحياة وخيط الموت." (64) فتوصيف الأب بوصف (الظالم لنفسه) هو حكم سلبي لأنَّه حرمَ نفسه من الحياة الاجتماعية الطبيعة كما حرم عائلته أيضاً، وانشغل بحراسة الموتى الذين لا يحتاجون مَن يحرسهم.

وقدَّمت الذات الاستهوائية (نوح) توصيفاً لصديقها عزيز مصدق "كان عليّ أن أرى عزيز وهو يتخطّى كل الحواجز، يقفز كحصان دُفع به الى أرض السباق دون تدريب سابق، مؤهلاته الجسدية هي التي أغرته بالمغامرة". (65) وهو بمثابة حكم سلبي على عزيز لأنَّه أغرق نفسه بمغامرات عدّة حيث جرّبَ شرب الخمر والمخدرات والعلاقات المشبوهة مع النساء، ثم غادر مصر الى الخارج.

وأصدر أبو نوح حكمه السلبي على صبري الهاشم خلال حديثه مع ابنه نوح "الرجل ده غريب من يوم ما حاول حرق قبر والده وبعدها اعتذر بكلام سخيف، وأنا شاك فيه". (66) فحرق قبر الميت لا يتناسب مع حرمته، وهو سلوك سلبي وغريب عن المجتمع المصري الذي يقدِّر حرمة الأموات.

أمّـا من حيث حكم المجتمع على الذات الاستهوائية (نوح) فسيكون سلبياً أيضاً لأسباب متعددة تتمثّـل في عدم قدرتها على الاستمرار بالعيش والتعايش مع هذا المجتمع من جهة، وعدم قدرتها على التصريح لأسماء بحبها لها وخسارتها من جهة ثانية، وسيكون أيضاً سلبياً للمتلقين لأنَّ هوى الحزن قاد هذه الذات الى الفشل ثم الى الموت.

وكذلك حكم المجتمع على عزيز مصدق لأنَّ مغامراته كانت ضد القوانين والأعراف التي تحكم المجتمع المصري، وهو الحكم نفسه الذي سيصدره هذا المجتمع على صبري الهاشم لمحاولته حرق قبر والده الميت.

الخاتمة:

 أوصلتنا رحلة البحث في الخطاب الروائي (أحزان نوح) الى جملة من النتائج لعـلَّ أهمها ما يلي:

1/ كانت الأهواء الإنسانية محط اهتمام الباحثين في ميادين الفلسفة وعلم النفس وعلم الأخلاق، ثم أولتها السيميائية اهتمامها دراسةً وتطبيقاً، لأنَّ الأهواء بما تكتنزه من مشاعر وانفعالات جسدية تعاني منها الذوات المنفعلة لها دور كبير في بناء شخصيات الخطاب الروائي.

2/ تجلّـى هوى الحزن الذي عاشته الذات الاستهوائية (نوح) من خلال الخطاطة الاستهوائية المعيارية بمراحلها الخمس التي أشّرت تطورات هذا الهوى بداية من انكشافه الشعوري وانتهاءً بالحكم الأخلاقي الصادر عليه، والتي كشفت عن دوافعه ونتائجه.

3/ كشف البحث عن مدى فاعلية الذات الاستهوائية (نوح) في قيادة صراع الموت والحياة عبر مواقف متعددة أشار إليها في مواضعها.

4/ إنّ اعتناء السيميائية بدراسة الحالات النفسية وآثارها الفسيولوجية (العضوية) والسلوكية أسهم في الكشف عن ردود أفعال الذات الاستهوائية (نوح) من خلال البكاء والدموع والتعبيرات اللفظية وطريقة التفكير ومعالجتها للمواقف التي أثارتها، وأشار إليها البحث في ثناياه.

5/ كان الخطاب الروائي (أحزان نوح) ثرياً بالدلالات المتنوعة والمتجددة التي أثرت مسيرته من خلال تصوير الآثار المعنوية لهوى الحزن في شخصية الذات الاستهوائية (نوح)، وأشّرت تطورات انفعالاتها الحزينة فنجح الروائي احمد جاد الكريم في اظهار كفايتها الذاتية من استهواء الحزن.

6/ تشير نوعية الأحكام الأخلاقية التي أصدرتها الذات الاستهوائية (نوح) على ذاتها، وعلى الشخصيات الأُخرى داخل الخطاب الروائي مدار البحث الى غرقها في السلبية المطلقة حيث أدّى صراع هذه الذات مع الحياة والموت الى الفشل الذريع في استمرارية حياتها، فاستسلمت للخسارة بالموت دون تحقيق هدف ايجابي في حياتها، والحكم نفسه هو الذي أصدرته الشخصيات الروائية والمجتمع على الذات الحزينة.

هوامش البحث:

(1) أحزان نوح: احمد جاد الكريم، مؤسسة إبداع للترجمة والنشر والتوزيع، القاهرة، د. ط. 2015م.

 (2) علم النفس العام: انس شكشك، دار النهج للدراسات والنشر، سوريا، ط1، 2008، ص25.

(3) سيميائيات الأهواء من حالات الى حالات النفس: الجيرداس . ج. غريماس، جاك فونتنيي، ترجمة وتعليق وتقديم: سعيد بنكراد، دار الكتاب الجديد المتحدة، لبنان، ط1، 2010، ص121.

(4) هندسة الأهواء في رواية الضوء الهارب لمحمد برادة: محمد الداهي، مجلة ثقافات، ع 10، جامعة البحرين، كلية الآداب، 2004، ص103.

(5) التعريفات: علي بن محمد الجرجاني، تح: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة للنشر والتوزيع والتصدير، مصر، د. ط، د.ت، ص 117.

(6) السيميائيات من العمل الى الهوى: بغداد عبد الرحمن، مجلة بحوث سيميائية، ع14، مج:8، 27جوان، 2019م، ص27.

(7) السيميائيات الحديثة: الأصول والامتدادات: علوي احمد الملجمي، مجلة سيميائيات، ع1، مج17، مارس، 2021، ص48.

(8) انتكاسة العامل واضطراب الفعل في رواية مملكة الفراشة – مقاربة سيميائية من منظور سيمياء الاهواء: غزالة شاقور، مجلة ملتقى السيمياء، مخبر أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، ص484، موقع: http://univ-biskra.dz

(9) سيميائية الأهواء في لبوسها العربي: محمد الداهي، مجلة بحوث سيميائية، ع11، مج7، 2019، تلمسان، ص104.

(10) يُنظر: مستجدات النقد الروائي: جميل حمداوي، ط1، 2011م، ص32، موقع الالوكة:  www.alukah.net.

(11) يُـنظر: سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء الى حالات النفس: مرجع سابق، ص12.

(12) سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء الى حالات النفس: مرجع سابق، ص368.

 (13) يُنظر: مستجدات النقد الروائي: جميل حمداوي، ط1، 2011م، ص37، موقع الالوكة: www.alukah.net.

 (14) سيميائية الكلام الروائي: محمد الداهي، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، ط1، 2006م، ص15.

 (15) يُـنظر: الروائي السوهاجي احمد جاد الكريم: الشللية سرطان يقتل الإبداع (حوار): محمد حافظ، موقع البوابة: www.albawabhnews.com

 (16) ينظر: سيميائية الأهواء: محمد الداهي، مجلة عالم الفكر، ع 3، مج35، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مارس 2007، ص228.

 (17) مدخل الى السيميائية السردية: سعيد بنكراد، منشورات الاختلاف، الجزائر ، ط1، 1994، ص54.

(18) يُـنظر: هندسة الأهواء في رواية الضوء الهارب لمحمد برادة: مرجع سابق، ص104.

(19) مدخل الى علم النفس: عبدالرحمان الوافي، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، ط 6، الجزائر، 2013، ص61.

(20) سيميائية الأهواء: مرجع سابق، ص236.

(21) يُـنظر: سيميائية السرد – بحث في الوجود السيميائي المتجانس: محمد الداهي، دار رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1،2009 ، ص106.

(22) سيميائيات الأهواء من حالات الى حالات النفس: مرجع سابق، ص121.

(23) نفسه ، ص135.

(24) يُـنظر: هندسة الأهواء في رواية الضوء الهارب لمحمد برادة: مرجع سابق، ص104.

(25) نفسه، ص237.

(26) المخطط العاطفي للذات في رواية الفيل الأزرق لأحمد مراد – بحث في سيميائية الأهواء: لخضر هني، موقع: https://www.asjp.cerist.dz

(27) هندسة الأهواء في رواية الضوء الهارب لمحمد برادة: مرجع سابق، ص104.

(28) كتاب سيميائية السرد – بحث في الوجود السيميائي المتجانس: مرجع سابق، ص105.

(29) سيميائيات الأهواء من حالات الى حالات النفس: مرجع سابق، ص139.

(30) مدخل الى علم النفس: عماد عبد الرحيم الزغول، وعلي هنداوي، دار الكتاب الجامعي، جامعة الامارات العربية المتحدة، الامارات، ط1، 2014، ص432.

(31) كتاب أسس علم النفس: طلعت منصور وآخرون، مكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة، د. ط، 2003، ص 160.

(32) كتاب علم النفس العام – القوى النفسية المعرفية والقوى النفسية المحركة للسلوك: أنس شكشك، دار المنهج للدراسات والنشر والتوزيع، حلب، ط1، 2008، ص71- 72.

 (33) كتاب أسس علم النفس: طلعت منصور وآخرون، مكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة، د. ط، 2003، ص 160- 162.

 (34) يُـنظر: هندسة الأهواء في رواية الضوء الهارب لمحمد برادة: مرجع سابق، ص104.

(35) الجسد الانثوي بين الطرح الروائي والتأويل السيميائي: أمينة حماني وأُخرى، مجلة اشكالات في اللغة والأدب، مج9، السنة3، 2020، الجزائر، ص113.

(36) نفسه، ص76.

(37) نفسه ، ص23.

(38) نفسه ، ص94.

(39) نفسه ، ص 26.

(40) نفسه ، ص 72.

(41) نفسه، ص30.

(42) الإله اوزوريس في الحضارة والديانة المصرية القديمة: محمود مندراوي، موقع سيفجردز: www.civgrds.com  كان اوزوريس ملك فرعوني عادل، يحكم مصر من الوجه البحري، حقد عليه أخوه ست وتآمر عليه فوضعه في تابوت، وأغرقه في نهر النيل، وبحثت عنه زوجته ايزيس عنه الى أن وجدته في جبل بيبلوس، لكنَّ ست سرق جسده منها، وقطَّعه الى (14) قطعة، وفـرَّقَ هذه القطع في أنحاء مصر، ولكنَّ ايزيس تمكَّـنت من استعادة الأشلاء، وأعادت روحه إليه باستعمال السحر، وأصبح ملك العالم السفلي أي عالم الأموات.

(43) أحزان نوح، ص 43.

(44) نفسه، ص27.

(45) نفسه، ص 88.

(46) نفسه، ص 29- 30.

(47) نفسه، ص - 28.

(48) نفسه، ص106.

(49) نفسه، ص132.

(50) نفسه، ص145.

(51) نفسه، ص 147.

(52) نفسه، ص 148.

(53) نفسه، ص14.

(54) نفسه، ص15.

(55) نفسه، ص16 .

(56) نفسه، ص 120.

(57) أحزان نوح، ص 28

(58) نفسه، ص 14.

(59) نفسه، ص 28- 29.

(60) نفسه، ص39.

(61) نفسه، ص 39.

(62) نفسه، ص148.

(63) نفسه، ص147.

(64) نفسه، ص 23.

(65) نفسه، ص 26.

(66) نفسه، ص 112.

 

مصادر البحث ومراجعه

المصادر:

1/ أحزان نوح: احمد جاد الكريم، مؤسسة إبداع للترجمة والنشر والتوزيع، القاهرة، د. ط. 2015م.

المراجع:

أ/ الكتب الورقية:

 1/ أسس علم النفس: طلعت منصور وآخرون، مكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة، د. ط، 2003.

2/ التعريفات: علي بن محمد الجرجاني، تح: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة للنشر والتوزيع والتصدير، مصر، د. ط، د.ت.

3/ سيميائيات الأهواء من حالات الى حالات النفس: الجيرداس . ج. غريماس، جاك فونتنيي، ترجمة وتعليق وتقديم: سعيد بنكراد، دار الكتاب الجديد المتحدة، لبنان، ط1،2010.

4/ سيميائية السرد – بحث في الوجود السيميائي المتجانس: محمد الداهي، دار رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1،2009 .

5/ سيميائية الكلام الروائي: محمد الداهي، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، ط1، 2006.

6/ علم النفس العام – القوى النفسية المعرفية والقوى النفسية المحركة للسلوك: أنس شكشك، دار المنهج للدراسات والنشر والتوزيع، حلب، ط1، 2008.

7/ مدخل الى السيميائية السردية: سعيد بنكراد، منشورات الاختلاف، الجزائر ، ط1، 1994.

8/ مدخل الى علم النفس: عبد الرحمن الوافي، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، ط6، 2013.

9/ مدخل الى علم النفس: عماد عبد الرحيم الزغول وآخر، دار الكتاب الجامعي، جامعة الامارات العربية المتحدة، الامارات، ط1، 2014.

ب/ المواقع الالكترونية:

1/ الإله اوزوريس في الحضارة والديانة المصرية القديمة: محمود مندراوي، موقع www.civgrds.com

2/ انتكاسة العامل واضطراب الفعل في رواية مملكة الفراشة – مقاربة سيميائية من منظور سيمياء الاهواء: غزالة شاقور، مخبر أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، موقع: http://univ-biskra.dz

3/ الروائي السوهاجي احمد جاد الكريم: الشللية سرطان يقتل الإبداع (حوار): محمد حافظ، موقع البوابة: www.albawabhnews.com

4/ المخطط العاطفي للذات في رواية الفيل الأزرق لأحمد مراد – بحث في سيميائية الأهواء: لخضر هني، موقع: https://www.asjp.cerist.dz

5/ مستجدات النقد الروائي: جميل حمداوي، ط1، 2011م، ص32، موقع الالوكة: www.alukah.net.

ج/ الدوريات الورقية:

1/ الجسد الانثوي بين الطرح الروائي والتأويل السيميائي: أمينة حماني وأُخرى، مجلة اشكالات في اللغة والأدب، مج9، السنة3، الجزائر، 2020.

2/ السيميائيات الحديثة – الأصول والامتدادات: علوي احمد الملجي، مجلة سيميائيات، ع1، مج17، مارس،2021.

3/ السيميائيات من العمل الى الهوى: بغداد عبد الرحمن، مجلة بحوث سيميائية، ع14، مج8، 27 جوان، 2019.

4/ سيميائية الأهواء في لبوسها العربي: محمد الداهي، مجلة بحوث سيميائية، ع11، مج7، تلمسان، 2019.

5/ سيميائية الأهواء: محمد الداهي، مجلة عالم الفكر، ع 3، مج35، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مارس 2007.

6/ هندسة الأهواء في رواية الضوء الهارب لمحمد برادة: محمد الداهي، مجلة ثقافات، ع 10، جامعة البحرين، كلية الآداب، 2004.

 

د. وجدان الخشاب Headline Animator

د. وجدان الخشاب